بسم الله الرحمن الرحيم
هذه نشرة تربوية بعنوان ( مهارات التدريس من السيرة النبوية ) أطلعت
عليها ووجدت فيها الكثير من الفوائد أتمنى
الاستفادة منها ولكم خالص تحياتي .....
مهارات وأساليب التدريس من السيرة النبوية
أولاً : مهارات وأساليب العرض :
أ. أسلوب التهيئة بطلب الا ستنصات والسماع :
" يستخدم غالباً قبل البدء في إلقاء الموضوع " عن جرير بن عبد الله أن النبي قال له في حجة الوداع : استنصت الناس ، فقــال : ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) ( البخاري ـ مسلم ـ أحمد ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ الدارمي )
يقول الحافظ بن حجر : " وذلك أن الخطبة كانت في حجة الوداع ، والجمع كثيراً جداً ، وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحج ، فلما خطبهم ليعلمه ناسب أن يأمرهم بالإنصات "
ب. التدرج في التعليم :
وذلك فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذاً رضي الله عنه فقال : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات .. الحديث " .
" والتدرج كما هو في الحديث يعني عدم الانتقال من جزء إلى آخر إلا بعد تحقق هدف الجزء الأول وهكذا إلى حين اكتمال جميع أجزاء المنهاج " ، وكذلك تجد نصوص كثيرة أخرى تدل على أسلوب التدرج كما حدث في تحريم الخمر وغيرها .
ثانياً : التشويق وتنويع المثيرات والاستجابات :
وذلك بأساليب عديدة كما يلي :
أ/ السكوت أثناء الإلقاء لجذب الانتباه :
روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي قال : " أي شهر هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ؟ … الحديث "
ب/ التغيير والتنويع في نبرات الصوت :
روى مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " كان النبي إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته ... "
ج/ استخدام تعابير الوجه :
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : دخل علي رسول الله وفي البيت قرام فيه صور ، فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه ، ثم قالت : قال النبي : " أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور " ، كما رويا أيضاً عن جرير بن عبد الله قال : ما حجبني النبي منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي "
د/ تغيير وضع الجلوس :
كما في الحديث الذي رواه الشيخان : " وكان متكئاً فجلس فقال : " ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور " .
هـ/ تكرار الكلام إذا اقتضى المقام ، وتجنبه بلا داع :روى البخاري وأحمد بن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي : أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه … "
يقول المباركفوري : والمراد أنه كان يكرر الكلام ثلاثاً إذا اقتضى المقام وذلك لصعوبة المعنى أو غرابته أو كثرة السامعين لا دائماً فإن تكرير الكلام من غير حاجة لتكريره ليس من البلاغة كذا في شرح الشمائل للبيجوري " . وأستعيد ابن عباس رضي الله عنه حديثاً فقال : لولا أني أخاف أن أغض من بهائه ، وأريق من مائه ، وأخلق من جدته ـ لأعدته " .
و/ عدم التشدق والتقعر في الكلام :
روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال : إن رسول الله قال : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة " الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون " قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال " المتكبرون " قال النووي حديث حسن هذا فيمن يتقعر في العربية ليظهر نفسه فكيف بمن يتقعر بالإنجليزية في تدريسه العربية .
ز/ مطالبة المتعلمين بالاقتراب والدنو :ـ
روى البخاري وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : صعد النبي المنبر وكان آخر مجلس جلسه متعطفاً ملفحة على منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسمة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إليَّ ، فثابوا إليه .. "
ثالثاً : التنويع في أساليب العرض :
أ/ الجمع بين أساليب التعلم الفردي والجماعي :
" في كثير من النصوص نقرأ : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه ، وبينما كنا جلوساً مع النبيفهذا نموذج للتعليم الجماعي ، وأما التعليم الفردي فنماذجه كثيرة ، قال ابن مسعود رضي الله عنه " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه " رواه البخاري ومسلم "
ب/ التطبيق العملي أمام المتعلمين :
روى البخاري ومسلم وغيرهم عن سهل بن سعد [ وفيه صلاة النبي على المنبر ] قال : " ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها .. ثم ركع وهو عليها ، ثم نزل القهقري فسجد في أصل المنبر ثم عاد .. " .
جـ . التوضيح و التفصيل أثناء الشرح : روى الترمذى عن عائشة رضي الله عنها قالت :"ما كان رسول الله يسرد كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل ، يحفظه من جلس إليه " (حسنه الألباني رحمه الله ).
د.استعمال الوسائل و الرسومات التوضيحية : روى البخاري وأحمد وغيرهم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : خط النبي خطا مربعا ، و خط خطاً في الوسط خارجاً منه فقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيطا به – أو قد حاط به –وهذا الذي خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن اخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ).
وروى الإمام احمد والدارمي وصححه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط رسول الله خطا بيده ثم قال ( هذا سبيل الله مستقيما ) وخط عن يمينه و شماله ثم قال : (هذه السبل ليس منها سبيلا إلا عليه شيطان يدعو إليه )ثم قرأ : " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "(الأنعام –153) وروى البخاري قوله " أنا وكافل اليتيم كهاتين "وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى ".
هـ . أسلوب الإقناع العقلي :
روى احمد عن أبي أمامه قال : إن شابا أتى النبي فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فاقبل القوم فزجروه و قالوا :مه مه ! فقال :أدنه ، فدنا قريباً ، قال : فجلس قال أتحبه لأمك قال : لا والله جعلني الله فداءك …"، وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلاً أتى النبيفقال : يا رسول الله ولد لي غلام أسود ، فقال : هل لك من إبل ؟ قال :نعم ، قال ما ألوانها ؟ قال : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : نعم ، قال : فأنى ذلك ؟ قال : نزعه عرق ؟ ، قال : فلعل ابنك هذا نزعة ؟.
و/ التعليم بأسلوب القصص :وذلك ما رواه البخاري وأبو داود وأحمد أن خباب رضي الله عنه جاء إلى رسول الله يشكو أذى قريش وكان ذلك في أول الدعوة بمكة يقول خباب رضي الله عنه : شكونا إلى رسول الله ، وهو متوسد ببردة له في ضل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ، فقال : (( لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار ، فيوضع على رأســـه فيجعل نصفين ويمشط بأمشــاط من الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه … )) ، وهناك الكثير من القصص التعليمية كقصة الأبرص والأعرج والأعمى وقصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار ، وغيرها من لا يتسع المجال لسردها تدل على أهمية هذا الأسلوب في إيصال القيم والمفاهيم .
ز/ التعليم عن طريق ضرب الأمثال :
ما روي في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي قـال : " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجه طعمها طيب وريحها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها … " وغيرها الكثير من الأمثال في القرآن والسنة .
ح / توضيح المسائل عن طريق التعليل :ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن قال : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحه داء وفي الآخر شفاء " وقد " عقد ابن القيم فصلاً في كتابة أعلام الموقعين ساق فيه بعض ما ورد في السنة من تعليل الأحكام " .
رابعاً : ترسيخ المفاهيم وربطها :
أ/ البعد عن المشتتات أثناء العرض :روى البخــــــاري وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي في مجلس يحدث القوم ، جاءه أعرابي ، فقال : متى الساعة ؟ فمضى رسول رسول الله يحدث ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال ، وقال بعضهم : بل لم بسمع حتى إذا قضى حديثه قال : أين أراه السائل عن الساعة ، قال : ها أنا يا رسول الله قال : " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة … "
ب/ الربط بين المواقف التعليمية :ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه : أن النبي كان مع أصحابه يوماً وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها ، فلما وجدته ضمته ، فقال : " أترون هذه طارحة ولدها في النار " قالوا : لا ، قال : " والله لا يلقي حبيبه في النار "
ج/ الحث على المراجعة والحفظ :روى البخاري ومسلم قوله قوله : " تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها " .
خامساً : مراعاة الجوانب النفسية والتربوية للمتعلم :
أ /مراعاة بيئة المتعلم :عن أنس بن مالك قال : " بينما نحن في المسجد مع رسول الله إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله : مه مه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزر موه ، دعوه " فتركوه حتى بال : ثم أن رسول الله دعاه فقال له : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء مثل هذا البول والقذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوا من ماء فشنه عليه " ( مسام 100/285 )
ويستنتج من الحديث مراعاة النبي لصحة المتعلم وبيئته ورحمته به ، واستخدام الرفق ، وقصره على أخف الضررين لأنه لو زجر الأعرابي لتحرك من مكانه في تلك الأثناء فلربما انتشر الأذى في أجزاء المسجد .
يرى ابن جماعة أن المربي يجب أن " يستعلم أسمائهم وأنسابهم وموطنهم وأحوالهم " لأن ذلك ادعى لفهمهم وفهم البيئة التي ينتمون إليها ، ليتمكن من توجيههم الوجهة الصحيحة .
ب / تجنب إحراج المتعلم :
وذلك بالابتعاد عن سؤال المتعلم عن أمر خاص لا يود أن يطلع عليه أحداً من الناس . يقول تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم " ( المائدة ـ 101) .
جـ / مخاطبة المتعلمين بأحب أسمائهم واستخدام الكنى :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يكني أصحابه ، إكراماً لهم " ( مسلم 1/271)
د / احترام المتعلمين ومراعاة مشاعرهم :يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " أعز الناس علىًَّ جليسي الذي يتخطى الناس إليَّ ، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق علي " ، وقال الأحنف بن قيس : " لو جلست إلى مائة لأحببت أن التمس رضا كل واحد منهم " (بهجة المجالس 1/45 )
هـ / مراعاة الفروق الفردية و القدرات :قال : " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل منازلهم ، ونكلمهم على قدر عقولهم ) ، وعن علي بن أبي طالب قال : "حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله " ( البخاري ج1 /225) ، وعن عبد الله بن مسعود قال : " ما أنت محدثاً قوماً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " ( ابن القيم ـ روضة المحبين) ،
و / مراعاة استعداد المتعلمين ونشاطهم لتلقي العلم :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان يتخولنا الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا " ( البخاري 682) .
ز / التعرف على قدرات المعلمين وإدراكهم العقلي :يقول : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقرأهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وافرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح " ( البخاري ـ 3760)
سادساً : مهارات طرح الأسئلة على المتعلمين والتفاعل مع أفكارهم :
ا / التشجيع على السؤال :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الناس سألوا النبي حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال : ( سلوني ، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم " ( مسلم ـ 2359 ) ، وعن سعيد بن المسيب قال : " ما كان أحد من الناس يقول : سلوني غير علي بن أبي طالب .. وروينا عن الحسن أنه كان يبتدئ الناس بالعلم ويقول : سلوني " ( ابن عبدالبر ـ جامع بيان العلم وفضله ـ ص 104)
ب / استخدام أسلوب طرح السؤال في إيصال المعلوم :
قال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ … " ( فتح الباري ـ 2654 ) ، وفي الصحيحين خطبة النبي بمنى أنه قال " أي يوم هذا ؟ .. " وحديث الرؤيا عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله : هل تضارون في القمر ليلة البدر ؟ … " ( البخاري ومسلم وأحمد ).
جـ / طرح الأسئلة العميقة التي تقيس القدرات العقلية العليا :
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم ، حدثوني ما هي ؟ … " ( البخاري ومسلم والترمذي وأحمد ). ، يقول ابن حجر رحمه الله : وفي هذا الحديث من الفوائد امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى عن بيانه لهم إن لم يفهموه "
د / إعطاء المتعلمين فرصة التفكير والاستنباط : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل من بني زرارة إلى النبي فقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت لي غلاماً أسود ، فقال النبي ، فقال : هل لك من إبل ؟ قال نعم ، قال فما ألوانها ؟ قال : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : نعم إن فيها لورقاً ، قال : فأنى أتاها ذلك ؟ قال : عسى أن يكون نزعه عرق ؟ ، قال : وهذا عسى أن يكون نزعة عرق "