«سيدي
تحية انتخابية، أما بعد
دعني أهنئك أولا بفوز السيد أوباما في سباق الرئاسة الأمريكية. لا أخفيك أنني كنت أتوقع ذلك. إلا أنني لم أكن أجرؤ على كشفه ظنا مني بأن لون الفتى قد يعرقل مسيرته نحو البيت الأبيض، وإلا ما كان هذا البيت مطليا بالأبيض.
سيدي، لا أخفيك أنني أغار من التفضيل والمعاملة التمييزية التي تحظى بها في بلدك مقارنة بما ألاقيه هنا من معاملة لا تشرفني كحيوان وديع! أمام هذه المعاملة، أراني أفكر في تنظيم وقفة احتجاجية أو اعتصام أو إضراب عن الطعام، خاصة أنه لم يُلتفت إلي أبدا منذ تلك المسابقة التي نُظمت لنا، نحن الحمير في إحدى مناطق المغرب، واختير أحد الحمير فائزا فيها. وإني أبلغك استيائي من كون أهل الشأن في بلادي لم يفكروا، حتى الآن، في تشريفي ولو بيوم واحد على غرار الاحتفال التقليدي الذي يحظى به الفرس عندنا.
سيدي، ألتمس منك رفع احتجاجي إلى المسؤولين في الحزب الديمقراطي الأمريكي الفائز، الذي جعلك شعارا له. واحتجاجي، هنا، يتجاوز وضعي الشخصي إلى ما أسميه «العبث» الذي ألمسه في حياتنا السياسية المغربية؛ وذلك باعتبارك ممثلا لصورة بني عمومتنا في أعظم دولة في العالم وأشهر حزب، على الإطلاق، في عالمنا إلى جانب الحزب الجمهوري المنافس.
سيدي، أبلغك احتجاجي على تغييبي من لائحة الشعارات المعتمدة في اللوائح الانتخابية من قبل الأحزاب المغربية المتنافسة على مقاعد البرلمان، كما أبلغك استيائي من كون الزعماء السياسيين المغاربة، رغم العدد الهائل من الأحزاب حد التشابه، لم يفكر أحد منهم في جعلي شعارا له. ولا يفوتني، هنا، أن أبارك لك وضعك المتميز، الذي شرفت به معشر الحمير في العالم بأن تربعت على شعار حزب كبير في أكبر دولة في العالم رغم اقتصار دولتكم على حزبين رئيسيين لا غير. وإذ أبلغك هذا الاحتجاج، فإنني أسجل هنا قصر النظر عند السياسيين المغاربة الذين لا ينظرون إلى أبعد من مدى البصر القريب.
سيدى، احتجاجي هذا مرده، كذلك، إلى جمود الشعارات الرمزية عند أحزابنا المغربية وارتباطها بخلفيات رمزية تُنسى بمجرد أن يبلغ المرشح قبة البرلمان. وإني أرى هنا أن تعدد الأحزاب يجعل مسألة الشعارات مجرد لعبة يلعبها السياسيون في انتظار الوصول إلى قضاء مصالحهم؛ وكم تمنيت أن أرى سياسيا مغربيا يموت غيظا وحسرة على فشله في استكمال مشروعه الانتخابي أو على اتهامه بتهمة الفساد وهو بريء منها!
لهذا ألتمس منك سيدي أن تتدخل لدى الفتى أوباما، المنتشي بفوزه، من أجل الضغط في اتجاه أن يتقلص عدد الأحزاب عندنا حتى يعود إلى البقية منها احترامها في المشهد السياسي، وحتى يتقلص هامش المناورة عند الأحزاب الكبرى وفرسان السياسة الجدد وتتقلص حظوظ الإدماج القسري والترحال السياسي والتزكيات الممنوحة على مقاس الولاءات...!
سيدي وابن جلدتي، إني أراعي في هذا المطلب مسألة الوفاء للمشاريع المسطرة على برامج الأحزاب السياسية الغائب في ممارستنا السياسية ومسألة تشابه المشاريع الانتخابية حد التطابق؛ وذلك من منطلق أن محدودية عدد الأحزاب السياسية سيفتح مجال المناورة المشاريعية، وسيخلق انتعاشا على مستوى الخيارات والتميز بين الأحزاب.
في الأخير، دعني أبلغك إعجابي بالإشارة الرمزية التي تحملها على صورتك على رأس الحزب الديمقراطي الأمريكي. فقد وشحوك باللونين الأزرق والأبيض ونجوم ساطعة، دلالة منهم على بقاء الوطن وزوال الأنا النرجسية. وإذ أؤكد صواب هذا الاختيار، أبلغك رغبتي في أن أكتسي لونين، أحمر وأخضر، إن أنا وصلت إلى قمة أحد الأحزاب المغربية، ولو في أحلامي. أريد أن أكون في مستوى انتمائي إلى الوطن وخدمته خلافا لأولئك الفاسدين عندنا، الذين ما إن يتمكنوا ويتبوؤوا قمة المكاتب الوطنية الكبرى والصناديق المالية حتى يبدؤوا في تأميم ثرواتها وحيازتها وتشتيتها يمينا ويسارا، وتقسيمها على الأهل والأحباب والأصدقاء والصديقات، قبل أن «يجمعوا حبل وبونت» ويحزموا حقائبهم ويرحلوا إلى حيث لا تطالهم يد العدالة !
سيدي، كثيرةٌ هي همومي. إلا أنني لا أريد شغل وقتك بمزيد منها وأنت في غمرة احتفال حزبك بالفوز في الانتخابات. شكرا لك. وإلى رسالة أخرى».
غفوة هي كانت، استسلم فيها الحمار إلى لحظات حلم وتمن سرعان ما انتهت بلكزة قوية على ظهره أردفتها عبارة «أرَّرَّرَّا... تكعدْ...» التي أعادته إلى «صوابه» قبل أن يرخي أذنيه، ويسير إلى بؤسه اليومي، ولسان حاله يقول: «كم أغبط حمار أوباما!».